23 ديسمبر 2008

نحن و الفراعنة، و السماء ثالثهما

قبل آلاف السنين، عاش الفراعنة في بلاد النيل، و عرف عنهم تقدمهم العلمي و المعرفي في تلك الأزمان،،

و مما توصلوا إليه أن الشمس تدور حول الأرض، هذه الأخيرة ثابتة في مكانها و لا تتحرك، أي أن بقية الكواكب و النجوم هي التي تدور حول الأرض. و كان دليلهم (المنطقي) أن الشمس تشرق من الشرق، ترتفع في السماء، ثم تغرب في الغرب! إنها تدور حولنا، ألا تعقلون؟

و ظل هذا التعليل قائما لآلاف السنين..

اليوم، الجميع يعلم أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، و كذلك بقية كواكب المجموعة الشمسية، و لهم في هذا أدلة و مراجع قد لا يعرفها الكثير، سوى أنهم سمعوها!

لنفترض أنك التقيت بأحد الفراعنة فقال إن الشمس تدور حول الأرض و قلت أنت العكس، قدم هو دليله الدامغ: "الشمس تشرق من الشرق، ترتفع في السماء، ثم تغرب في الغرب، واضح جدا أنها تدور حولنا"، كيف ستقنعه أنت (بصفتك من القرن 21) بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس؟ أي ما دليلك على ادعائك هذا؟ دليل ملموس و منطقي طبعا.

حسنا، إن لم تنجح فقد تغلب عليك فرعوني من العصور الغابرة :)

كان هذا أحد التساؤلات التي طرحت على الحاضرين و منهم أنا، في ندوة فلكية بعنوان: "حياة و موت النجوم"، تم تنظيمها قبل أيام..
إليكم تساؤل آخر:
ليلا، حينما تتطلع لتلك النقط الصغيرة المضيئة وسط السماء، أي منها كواكب و أي منها نجوم؟ بمعنى أدق، كيف تفرق بينها بالعين المجردة؟

ذكر لنا المحاضر أن أحد العلماء الفلكيين بكندا، بكى حينما بينت الإحصائيات أن 10% من الشعب الكندي لا يعرف جواب السؤال. علما أن كندا تعرف نسبة أمية تقارب الصفر و هي دولة علمية، جامعية و مهتمة بالبحث العلمي، يا ترى كم ستكون النسبة في الوطن العربي المشبع بالأمية و الخرافات؟ لكان العالم الكندي انتحر حينما يعرف النسبة..
بالموازاة مع هذا، ف95% من النجوم المرئية من سطح الأرض تحمل أسماء عربية! أسماء عربية!! كيف كنا و إلى أين صرنا للأسف الشديد.

كان المسلمون أيام كان للعلم مكانة، يقيسون شدة نظرهم بنجم يلمع في كبد السماء. من استطاع رؤيته فهو شديد النظر، و من لم ينجح فهو دون ذلك، فسمي ذلك النجم ب"القرة": نجم القرة، نسبة للعين فنقول: يا قرة عيني. سبب الاعتماد على هذا النجم هو قربه الشديد من نجم آخر هو "نجم مزار"، القر و مزار قد يظهران نجما واحدا فمن كانت رؤيته كذلك فليوقف تبجحه بقوة إبصاره! قبل قليل رصدت النجم مزار بصعوبة، أما القرة فلم أرها مطلقا :) حسنا بما أنني وسط المدينة، الضجيج البصري التلوث و كذلك تواجد بعض طبقات الهواء الكثيفة فجيد جدا رؤية مزار، أما لو كنت في البادية فلكل مقام مقال :)


القر هو الأصغر، و على يمينه مزار، هذا الاخير سمي مزارا لأنه يشكل حزاما مع القر. كلاهما يتواجد في كوكبة الدب الأكبر.

مرت الأيام و السنون، و سمى العالم هذا النجم ب"Alcor ،"alcor ليست إلا التسمية العربية للنجم! و سمي مزار ب"Mizar"!

ثم مرت الأيام و السنون مرة أخرى، و وصلنا لزمن الإنترنت و Google.. بعد عملية بحث صغيرة عن "نجم مزار" في گوگل تكون النتيجة: لا توجد نتيجة ل"نجم مزار" (No results found for "نجم مزار".)، أما لو كتبنا نجم مزار بدون ""، فكل النتائج لا تذكر نجمنا مزار لا من قريب و لا من بعيد، أما لو بحثنا عن مزار لوحدها فستجد كل شيء إلا النجم مزار!
البحث عن نجم القرة يعطي نتائج متقاربة، بل تعطي نتائج مخجلة لدرجة كبيرة (ثلاثة نتائج فقط كلها غير مرتبطة بالنجم).

هذا هو الظلم بعينه! لو كان للنجمين لسان لنطقا و غيرا اسميهما لأي اسم آخر غير الإسم العربي!! لا يعقل ألا يوجد مصدر عربي واحد يتحدث عن النجمين في الوقت الذي توجد فيه أربعة ملايين نتيجة عربية عن نانسي عجرم :O

ها قد اقتربت نهاية السنة، و ليشتغل المسلمون و العرب بالتنجيم و تتبع الأبراج و الحظ و السعادة، و لتنشر المجلات مرفقات حول طالع 2009، و لتفرد الجرائد صفحات حول رؤية فلان لوفاة الرئيس فلان و تحرر العراق على يد فلان..
ما هكذا تقدمت الأمم يوما!






تعليقات فيسبوك:


هناك 10 تعليقات:

  1. في الحقيقة... علم الفلك علم فسيح..
    فأنا واحد من الـ 10% من الكنديين الذين لا يعرفون الفرق بين الدب الأكبر عن الدب الأصغر. أو بالأصح كيف يكونا!

    صحيح إنني لا أعلم عن هذا وذاك، ولكن سألتزم الصمت حتى لا أصبح فرعون آخر العنقود!

    ردحذف
  2. موضوع جميل واول مره اسمع عن هذه النجـوم ,
    اذا كان لديك معلومات عنهم اخ محمد بأمكانك وضعها في موسوعه معرفة
    http://www.marefa.org/index.php/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A9
    حتي يكون المصدر الأول للمعلومات عن هذا النجم .

    ردحذف
  3. موضوع ممتع..

    حصلي شرف التعرف على نجومنا المسلوبة^.^..

    ولكن إلى الآن لم أفهم كيف يمكن أن نفرق بين النجم والوكب بالعين المجردة؟؟؟؟؟
    (أريد أن أخرج من الـ 10% ^.^)

    ردحذف
  4. هههههه ، لا أعرف لما هذا الموضوع أضحكني ، هل لأني فرح بأن أجدادنا كانوا عظماء أم لكثرة غبائي .
    المهم موضوعك أخي رائع جدا جدا ، لكن أرجوك أن ترفق لنا الفرق بين النجم والكوكب .
    لدي اقتراح ربما يفيد ، النجم أشد لمعان من الكوكب ، لان الكوكب يكسب اضائته من انعكاس ضوء النجم عليه .
    هذا ما قرأته وهذا ما أتذكره :(

    ردحذف
  5. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    تدوينة رائعة فأخوك من قدماء المهووسين بعلم الفلك كما تعلم، بالرغم ذلك فإنني لا أعلم عن القرة إلا قرة عيني ^_^
    أما بالنسبة لما سألت عنه فأنا ممن لا ينبغي أن أتحدث عن ذلك لأننا تحدثنا معا عن الأمر مطولا..
    شكرا لك على التدوينة الهادفة..
    مني لك أرق تحية..

    ردحذف
  6. موضوع ممتع ومفيد..
    بالمناسبة أبدلنا الله بما هو خير..عفوا.. أشر من هذه النجمين العربيين..
    هناك النجمة هيفاء .. النجمة نانسي عجرم كما ذكرت.. واللائحة طويلة ;-) لماذا أنت جاحد إلى هذه الدرجة.. لكل زمان نجومه... وما أتعس زماننا :-)

    ردحذف
  7. مقال جميل

    الأمر لا يعود لجهلنا بقدر ما هو مرتبط بمناهجنا الدراسية التي تركز على اشياء " تافهة" و تدع المفيد النافع ...
    علم الفلك من بين العلوم التي تحتاج " معدات" مكلفة .. لا تتوفر حتى في جامعاتنا ..

    ردحذف
  8. --الأخ عادل، ليس العيب ألا تعرف ذلك، فلكل مجال تخصصه و هواياته و اهتماماته، لكن العيب أن يكون العالم الإسلامي العربي كذلك بأكمله (إلا ما ندر طبعا)!

    --الأخ كريم عبد المجيد، أتصفح الموسوعة حاليا و أجدها مفيدة، لي عودة لها قريبا.

    --الأخت مسك الحياة، الفرق سهل، إذا كان البريق متواصلا فهو نجم، و غن كان متقطعا (كالوميض) فهو كوكب، فقط! سعيد جدا لأنك أول من طرح السؤال، فقد كنت أنتظره.

    --الأخ أحمد الرامي، نعم الكوكب يعكس الضوء الذي تلقاه من النجم، لكن هذا لا يكفي فلو كان كذلك لظهرت الكواكب القريبة نجوما و النجوم البعيدة كواكبا، لفرق المسافات.

    --الأخ عبد الهادي، سعدت بحوارنا عن الفلك، كان مفيدا، سأتحدث عن قوتنا الخفية "كوريوليس" قريبا :)

    --الأخ سعيد، و ما أكثر أمثال تلك النجوم (أو النجمات) في زماننا، لكل نجومه صدقت.

    --الأخ بن الطاهر، لا يعقل أن نلقي أي تخلف يصيبنا على المناهج المدرسية، صحيح أنها ليست بالمستوى المطلوب نعم، لكن هذا لا يعني أن نتخاذل و نتهاون! أضرب لك مثالا بالعالمة الفلكية مريم شديد، هي مغربية و درست بالمغرب في المدارس العامة إلى أن حصلت على الباكالوريا، ثم أكملت دراستها بكلية الدار البيضاء إلى أن نالت الإجازة، ثم انتقلت لفرنسا و هي الآن أول مغربية، أول إفريقية، أول مسلمة وصلت للقطب الجنوبي، و كذلك المرأة الوحيدة التي ساهمت مع نخبة من العلماء في بناء أكبر مرصد للنجوم في العالم، و أول من قام ببحث دوكتوراه في مراكز الرصد، ساهمت كذلك أيضا في اكتشاف أول كوكب (..) خارج المجموعة الشمسية و الكثير من الإنجازات الأخرى، ألا يكفي هذا؟

    بالنسبة للمعدات، يمكنك تحديد اتجاهك الجغرافي، تحديد الساعة، التعرف على الآلاف من النجوم و المجرات بدون استعانة بأي معدات، فقط العين المجردة!

    ردحذف
  9. أخوانى الكرام أشكركم أولا وأرجوكم أن تكتبوا على جوجل العقول العربية المهاجرة وسوف ترون العجب وبعد ذلك فكرو فى أسباب هذه الهجرة ثم أكتبوا اغتيال العلماء العرب كى تعرفوا ماذا يحدث لمن يفكر منهم فى العوده لوطنه ففى بداية حياتهم لم يجدوا من يتبنى أبحاثهم الا الغرب واذا قرروا العوده فلن يجدوا من يحمى أرواحهم

    ردحذف
  10. اخوانى اسمحولى بملحوظة عندم تدخلوا على جوجل وتكتبو هجرة العقول العربية بس افتحوا رابط بعنوان هجرة العقول العربية أرقام مخيفه

    ردحذف

مدونة محمد أعمروشا مدوّنة شخصية في قالب مغربي، عن السفر، الهوايات وتجارب الحياة. أنشر فيها آرائي فيما يخصّ المنطقة العربية، التقنية وأحيانا تفاصيل حياتي الشخصية :)