21 فبراير 2009

من لا يرحم لا يرحم

يوسف (اسم مستعار) جار صديق قريب من البيت، لكن يمضي أغلب وقته بالديار الأوربية، هو و زوجته..
شائت الصدف أن يلتهيا في تربية القطط، ليس قطا أو قطتين بل مجموعة من القطط!

اضطر قبل مدة للعودة لأوربا، فأحضر حارسا ليحرس البيت + يعتني بالقطط التي أنجبت الصغار، أحضر ثلاجة و 75 كيلوغراما من السمك (نعم 75 كيلو)، نظفها و قطعها ثم قسمها لمجموعات صغيرة و وضعها في الثلاجة..

غادر أرض الوطن و هو يوصي الحارس الجديد: "لا تنس، كل صباح أخرج كيسا من الثلاجة ثم قدمه للقطط بعد حين، و كذلك افعل مساء"، "كن مطمئنا"، يجيب الحارس دوما. فهو أيضا حصل على مؤونة تكفيه مدة طويلة + راتب شهر مسبق.

بمجرد ما أن غادر صديقنا يوسف و تأكد للحارس خلو الساحة، طرد نصف القطط من البيت و قعد يتغذى بالسمك يوميا، ثم يعطي ما تبقى للقطط (هذا إن تبقى شيء)، حدثته عن الأمر فقال: "أنا سأعطي السمك للقطط؟!؟ هذه هي سابع المستحيلات، أنا بكامل قواي العقلية سأخرج السمك من الثلاجة و أتركه يبرد، ثم أضعه في صحن و أنادي على القطط ليأكلوه؟ تالله لو فعلتها إذن أنا مجنون".. حاولت أن أذكره بالوعد و العهد لكن أبت "إنسانيته" إلا الرفض.

على حين غرة عاد يوسف و اكتشف غياب بعض قططه، واحدة مريضة و أخرى كأنها مارست حمية صينية فلم يبق إلا الجلد و العظم.. غضب يوسف كثيرا و حرم الحارس من نصيبه من بعض الهدايا و المقتنيات أحضرها له من وراء الحدود، انصرف الحارس لوجهة أخرى و في ظرف أسابيع عادت القطط لسابق حالها.

هذه قصة حقيقية، بل و سبق أن كانت الأسماك مخزنة في ثلاجة البيت في إحدى فترات غياب يوسف، و كنت أعطي للحارس كل يوم كيس سمك..

مسألة تربية الحيوانات لطالما شكلت نقطة شد و جذب بين مؤيديها و معارضيها، هناك من يبالغ في الأمر حدا لا يتصور و هناك من يبخس الحيوانات الأليفة أبسط حقوقها في العيش..

فليست مرة أو مرتين إذ رأيت فتى تصادفه قطة في طريقه، فيقوم إليها و يذيقها العذاب: إما أن يرميها بحجر أو عود و إما أن يهبط عليها بضربة تقصم ظهرها!! لا أفهم لم هذه التصرفات؟ استوقفت أحدهم ذات يوم و طلبت تفسيرا لفعلته فأجاب: "لا أعرف لم أفعل هذا، أنا معتاد فقط"، صعب استيعاب جوابه، و الأصعب إقناعه بترك مخلوقات الله في الأرض و شأنها ما لم تسبب ضررا.

الأمر ليس مرتبطا بالقطط فحسب، فقبل مدة طويلة التقيت بفتى يعبث بعش للطيور، لقد تسلق سورا عاليا و عرض حياته للخطر من أجل الوصول للعصافير الصغيرة، وجدتها بين يديه و لست أدري ماذا يفعل بها. أخبرني أنه سيقتلع رؤوسها ثم يغادر.. طبعا لم أصدق الأمر و اعتقدته يمزح، لكن في ظرف ثواني فعلها حقا أمام ناظري و رأيت رؤوسا صغيرة مرمية في الأرض، و ما زالت الأفواه تفتح!! (عذرا على التعبير الجارح، لكنه حقيقة)، تجمدت برهة و لست بمصدق لما رأيت، ثم أحسست بذنب كبير لكوني لم أمنع الجريمة من الحدوث.. ذكر فيما بعد أنه "يستمتع" بالأمر، هداه الله. لم أره منذ ذاك اليوم.

هناك بعض الجمعيات التي تحاول إصلاح الواقع، كنت منخرطا في إحدى الجمعيات المهتمة بهذا الشأن، لأكتشف ذات يوم قيام بعض المكلفين بالتسيير و لهم مناصب سيادية في النشاط بعمليات استنزاف وحشي للثروة الحيوانية! "لا تنه عن خلق و تأتي مثله، عار عليك إذا فعلت عظيم"، و من يومها تركت تلك الجمعية و شأنها و لا أحضر أنشطتها إلا نادرا.

و من الحيوانات للنباتات، هناك من يرى الزهرة فيقطفها ثم يرميها، هناك من يمشي فوق المساحات الخضراء عن عمد، و هناك من يقطع الأشجار الفتية لكي يجرب مدى قوة عضلات يده!

أذكر ذات يوم، قرر نادي بيئي أنا عضو فيه استزراع الساحات المحيطة بإحدى المدارس بأشجار التين، البلوط، الزيتون و غيرها.. راسلنا المسؤولين ليوفروا لنا الشتلات المناسبة و حصلنا عليها أخيرا، تطلبت عملية زرعها وقتا طويلا نظرا لاتساع المساحة. عدت مساء للمنطقة فوجدت أن بعض "الأطر المدرسية" نقلت الشتلات لبيوتها، أذكر أنني أخبرت النادي في الحال و قمنا بإعادة عد الشتلات، كانت حوالي 20 إلى 30 شتلة مفقودة إن لم تخني الذاكرة!! بعدها بيومين اختفت أغلب الشتلات، ذلك أنه في يوم العطلة الأسبوعي أحضر حارس المدرسة خروفا و تركه يلتهم الأخضر و اليابس!! كان غذاء لذيذا بالنسبة للخروف، و كان آخر يوم أعود فيه للمكان لحد اللحظة، قد أمر يوما ما من هناك فأجد شجرة قد نجت من بين مئات الشتلات، لكنني شبه متأكد أنني لن أجد شيءا، اللهم مساحة أرض جرداء..







تعليقات فيسبوك:


هناك 7 تعليقات:

  1. ما قلته أخي محمد هو مايقع بكل أسف.

    ردحذف
  2. كلام سليم اخي الكريم


    الله يغير الحال

    ردحذف
  3. لا يعلمون إنهم في غفلة من أمرهم. ربما يستهين الأمر عليهم ولكن ألا يعلمون ان رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرأف بها؛ والأحاديث كثيرة وبينة.

    بالمناسبة، قرأت مؤخراً عن تدوينة مخالفة لتدوينتك. وهي من مدونة مذكرات سعودي في إستراليا.

    ردحذف
  4. متابع معك اخي محمد

    لكن لا تطل الغيبة بزاف مرة خرا

    ردحذف
  5. السلام محمد انا اخوك يوسف زر مدونتي و تطلع على آخر مقالين الذان سيفيدانك في تطوير المدونة ان شاء الله .

    http://ry3az.blogspot.com/search/label/designe%20and%20webmaster
    طبعا لك و للجمبع

    ردحذف
  6. --الأخ أزهار قلبي، أنس و عزيز بلقاسم، لم أركم منذ مدة :) شكرا لكم على العودة و مشاركة آرائكم..

    --الأخ عادل، مررت على تلك التدوينة قبل مدة، بالمناسبة فهي مدونة ممتعة!
    هناك من يهن الأمر عليه لدرجة كبيرة، و هذا أحد مؤشرات "تخلفنا"، إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء..
    المشكلة أن الجميع يعلم قصة الكلب و صاحب الخف، و كذلك المرأة و القطة الحبيسة، و مع ذلك: التطبيق لا شيء :(

    --الأخ يوسف، شكرا جزيلا لك، إطلعت على المقالين و هما مفيدان، بصدد تغيير قالب المدونة عما قريب، و بالتأكيد فعندك الإنطلاقة المناسبة..

    ردحذف
  7. يمكنك العثور على ايشارب كريب في فريرزة ويمكنك أيضًا البحث عبر الإنترنت لاختيار الأنماط والألوان التي تناسب ذوقك.
    اختاري إشاربًا بوزن مناسب للموسم. يمكن أن يكون الإشارب الخفيف مناسبًا لفصل الربيع والصيف، بينما يفضل الإشارب الثقيل في الشتاء.
    قراءة تعليمات العناية بالإشارب مهمة. القطن قد يكون قابلًا للانكماش، لذا يجب اتباع التعليمات بشكل صحيح للحفاظ على جودته.
    اختاري إشاربًا يمكنك تنسيقه بسهولة مع ملابس مختلفة وفي مناسبات متنوعة.
    قومي بملامسة الإشارب للتأكد من نعومته وراحته على بشرتك.

    ردحذف

مدونة محمد أعمروشا مدوّنة شخصية في قالب مغربي، عن السفر، الهوايات وتجارب الحياة. أنشر فيها آرائي فيما يخصّ المنطقة العربية، التقنية وأحيانا تفاصيل حياتي الشخصية :)