31 أغسطس 2009

عقلية الإنتقاد، وفقط!

ما أكثر المنتقدين في زمننا هذا!

وأنا أتجول في النت، أصادف تعليقا لأحدهم ينتقد الوضع التدويني العربي وكيف أنه متردي، تافه غير منظم وهلم جرا، ينتقد غياب المدونات العربية المتخصصة ويشيد بإنجازات (؟) الغرب في هذا الميدان..
يجرني الفضول للتعرف على مدونة فلان هذا، ويا ليتني لم أفعل! مدونة أقل ما يقال عنها أنها لا تمثل أي إضافة نوعية للوسط التدويني، مدونة شخصية عادية جدا، هذا أفضل ما يمكن قوله!
إذن، لم ننتقد الآخرين وننس أنفسنا؟ من ينتقد الوسط التدويني العربي فأولى به أن يبدأ بنفسه ويغير الوضع، أولى به أن ينشر تدوينات قيمة، أولى به أن يدون بكل ما للكلمة من معنى!
أما مجرد النقد السلبي والحديث عن ضعف التدوين العربي، فهذه يجيدها كل من هب ودب، كفى!!

جولة في النت يعقبها لقاء مع مجموعة، ثم يصدف أن يمتد الحديث عن فقهنا الإسلامي.. فجأة يفاجؤك أحدهم وهو يقدح في من سهر الليالي الطوال وطوى الصحاري القفار! مسند الإمام أحمد بعظمته وما حواه من علم يختصره في جملة واحدة: "لا، به أحاديث موضوعة!"، يصل للزمخشي فيحط من قوله وللشافعي فيدني من قدره.. أما المذاهب فحدث ولا حرج..
تعتقده على عتبات بيوت العلماء يسهر، وبين مجالسهم يعيش ويسمر، أما هو فلو سألته عن الفرق بين الحديث الحسن والمتفق عليه ما عرفه! وعن قول العلماء ما ضبطه!! ثم يجمع هذا ويطرح ذاك، عجبا!
أليس أولى لنا أن نكف عن قيل وقال عن فلان وعلان؟ خصوصا إن كانوا ممن وهبوا دنيانهم لخدمة دينهم، أصابوا في ذلك أو أخطؤوا، وجل من لا يخطئ.
ثم، ماذا قدمنا نحن لديننا حتى نرد هذا ونردي ذاك.. صحيح أن القول بالرأي مطلوب، لكن الأولى البحث فيه والحديث عن قناعة، وبحجة.

مشهد آخر: ذات يوم ركبت مع أحدهم في سيارته لغرض جمعنا، كان أن انتقد السياقة في البلد فأطال قولا، ينتقد عدم احترام الراجلين لقوانين السير وقطعهم الطريق من وسطه، ينتقد المسؤولين إذ تركوا الطرق كأنها وديان الجبال من كثر الإهمال، وللشرطة نصيب من قوله.. كل هذا صحيح ومتفق عليه.
لكن حصل أن وصل لبيته فأوقف السيارة فوق الرصيف!! آها، كل هذه البلبلة والسيارة فوق الرصيف المخصص للمشاة؟ تبارك الله عليك وخلاص :X

والأمثلة تطول وتطول، ممن ينتقد عمرو خالد (كمثال) ولا يأخذ بقوله، ثم تجده لا يفرق بين الداعية والمفتي! ممن يعيب على إمام مسجد سوء تلاوته وهو لا يضبط أماكن الوقوف في الفاتحة! مرورا بمن يعيب على العامة استخدام البرامج المقرصنة وهي في حاسبه قد وجدت الأمن والأمان! ولا ننس من يسخط على التخلف الضارب في البلد وهو لم يشتر كتابا لأبنائه يوما!

الحق في التعبير والجهر بالرأي محمود، لكن بحدود.. فيما نجيده وعلى دراية بتفاصيه، والأهم من هذا: أن يكون بنية سليمة، والهدف: الرقي بمجتمعنا وأمتنا، هنا لا بأس للمرء إن أخطأ أو أغلظ قولا.. أخطأ فله أجر المحاولة، أصاب فله أجرين..
أما الإنتقاد لا لشيء إلا لحب الإنتقاد، فما هذا بقول مستحب، بل فعل أولى بنا اجتنابه، حتى لا نكون فيمن قال الله عز وجل عنهم: "أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون".. صدق الله العظيم.

إشارة 1: الحق يقال، أنا أيضا أنتقد أحيانا في مجالات لست بذي علم فيها (كأن هناك مجال لي علم فيه!)، أسأل الله المغفرة لي ولكم ولجميع المسلمين.

إشارة 2: لست ضد حرية التعبير، لكن ضد سوء الأدب مع النفس قبل الآخرين..

إشارة 3: ما قولكم؟ هل من انتقاد على تدوينتي هاته ^_^ هيا الإنتقاد مسموح اليوم..








تعليقات فيسبوك:


هناك 11 تعليقًا:

  1. صدقت و كفى, تسلم أخي محمد

    ردحذف
  2. ليس انتقاد لك بقدر ما هو انتقاد لنفسى فأنا اتفق مع كل ما قلته حتى انى فكرت فى منتقدى عمرو خالد
    قبل ساعات , ولكن أحيانا ليست قليله أجد نفسى أنقد أحد او فعل بغلظه ٌد أندم عليها بعد ذلك .

    ردحذف
  3. أعرني قبعتك أرفعها لك :)

    ردحذف
  4. السلام عليك أخي محمود
    فرصة سعيدة لي حيث وجدت موضوعك بالصدفة ضمن نتائج البحث وقد شدني في فحواه.
    وأوافقك فيما ذكرت بأن عقلية الانتقاد (لمجرد الانتقاد) هي نهج متبع في مجتمعاتنا.
    فترى رجال ونساء المجتمع يتناولون قضايا المجتمع منتهزين وقتهم في مكاتب العمل و مجالس الضيافة بل وحتى فترة شرب الشاي في العصرية فرصة لانتقاد الأخبار و مختلف المظاهر الاجتماعية والاقتصادية.

    نحن نحتاج لعقلية (الانتقاد مع التطبيق) . حيث إن معظم النقاشات في النهاية -للأسف- لا تجدها سوى دردشة وكلام يفقد قيمته بانتهاء الجلسة، فتراه يتقد هذا الشخص أو ذاك القرار .. ولا يتعدى كلامه حد الانتقاد فلا يعطي حلا ً والذي إن أعطاه لا تجده مطبقا له، أو أن تكون حلوله إما مستحيلة التطبيق لمثاليتها الفائقة أو أنها ضعيفة لا تناسب المجتمع في مضمونها .

    موقف حصل معي: ذات مره كنت وإحدى الفتيات تنتقد الأغاني الهابطة وكيف أنها أتلفت الذوق العام.. وما هي إلا بضع دقائق ويرن هاتفها المحمول بأغنية (أنا دانه أنا دن دن )

    شكرا لك أخي الكريم على موضوعك واعذرني على الإطالة.

    ردحذف
  5. أشكرك أخي على هذه التدوينة، فعلا أغلب الناس تنتقد ﻷجل الإنتقاد دون أن تصحح حياتها أو أوضاعها أو أفكارها الشخصية، ودون حتى أن تتعلم مما ينطقه لسانها من كلام.
    في أحد المدونات التقنية تسبب تعليق في نشوب حريق في التعليقات بسبب اصرار صاحب التعليق على أن اسم شركة ياهوو يُكتب بالعربية (ياهو).
    هلم جره من هذه القضايا، وإن كنت أنا من كثيري النقد في مدونتي :)

    مرة أخرى أشكرك كثيرا

    ردحذف
  6. صدقت وأوجزت يا طيب، وأحييك على لغتك العربية الجميلة :) وليت شعري لو فعلنا كلنا ما تقول، لكان حالنا أفضل بكثير، وهذه ليست بشكوى، بل أمنية أحاول العمل على تنفيذها :)

    ردحذف
  7. السلام عليكم
    أخي الفاضل/محمد
    أعتقد أن النقد البناء يحمل ملامح خاصة...تميزه عن النقد البربري
    أما عن تدوينتك....فكانت رائعة و جريئة
    و أشكرك على أسلوبك المميز

    ردحذف
  8. اهلا أخي محمد
    لقد أثرت موضوعا جيد
    دعني أتحدث بلسان "الناقد العربي" للحظة
    خلقت مدونة الناقد العربي لاجل الرقي بعد التحفيز كان هذا إهتمامي في البداية.. لكن الحياة تجرنا الى نقد كل شيء من مدونة الى تدوينة الى مقال..الخ
    لنعد الى تدوينتك التي لا ارى فيها جديدا فكل ما قلته أراه أسمعه .. عقلية النقد أصبحت متوارثة في جيلنا هذا
    المهم نقدك في محله ويا ليتني أجد من ينتقدني بين الفينة والأخرى
    تقبل مروري

    ردحذف
  9. --الأخ أسامة، محمود، نجاة، شكرا لكم ^_^

    --الأخت أماني، ذكرتني ذات يوم حينما رن هاتف الإمام وهو يتلو القرآن! أذكر كتبت تدوينة عنها يومها..
    شكرا على تفهمك لمشكلة التعليقات..

    --الأخ الكومي، أهلا بك، أممم، "ياهو" أم "ياهوو"؟ لست أدري ^_^

    --الأخ شبايك، نورت المدونة! محاولة تطبيق الأمنية سيجرنا إلى عدم الحديث مطلقا.. الأهم في نظري ألا يتخذ المرء الإنتقاد منهج حياة.

    --الأخ يوسف، أرجو ألا ترصد آثار جريمة هنا :P تحيتي لك..

    --الأخ هشام، قبل كل شيء أود توضيح أنني لا أقصد مدونتك في موضوعي هذا، درئا للشبهة..
    فكرة نقدك للمدوات مميزة بحد ذاتها، ولو لم تكن كذلك ما دلوت بدلوي فيها، لا تنس أنني أول منتقد للمدونة، من أجل الرقي بها ^_^

    ردحذف
  10. شكرا على التوضيح أخي محمد ^^
    كما أني تمنيت أن تكون ناقدي لما لا !!
    أريد أن أنتقد حتى أبني مستعمرة النقد لما لا .
    فأنا مع تصحيح مفهومي..
    مع بناء نفسي..
    مع كل ما يمثل تحفيز لي..
    فأنا أعتبر نفسي تلميذ في عالم التدوين لا أكثر
    تقبل مروري وشكرا مرتا اخرى

    ردحذف
  11. تدوينه جميله اخ محمد

    بالفعل عقلية الانتقاد في مجتمعنا هي العقلية السائده و اعجبني قولك حينما قلت ان احدهم ينتقد التخلف في وطننا العربي ،وهو لم يشتري كتابا لابنائه الصغار

    ردحذف

مدونة محمد أعمروشا مدوّنة شخصية في قالب مغربي، عن السفر، الهوايات وتجارب الحياة. أنشر فيها آرائي فيما يخصّ المنطقة العربية، التقنية وأحيانا تفاصيل حياتي الشخصية :)