01 نوفمبر 2009

يوميات مع سطل النفايات

نعم، حتى سطل النفايات له مكان بالمدونة!

على بعد 20 مترا من البيت صندوق نفايات عمومي، لمجموعة البيوت المجاورة، كما بقية شوارع وأحياء هذا البلد السعيد.
الصندوق وضع هناك لكي ترمى فيه النفايات، "فيه" تعني داخل الصندوق وليس بجواره!
يأتي أحدهم ويضع النفايات بجوار الصندوق، كأنه يخجل من رميها داخله، تمر القطط بالمكان فتمزق الأكياس البلاستيكية، ثم يأتي دور الرياح لتبعثر كل شيء على طول الشارع!

حسنا، لو كان الفاعل شخصا غير واع، من البوادي والقفار أو متخلا عقليا لوجدت له عذرا، كيف هذا وكل الجيران ذووا وظائف مرموقة، بل الحي بأكمله ما بين الطبقة المتوسطة والطبقة الغنية. حاولت فهم الحكاية فلم أفهم شيئا..

شمرت عن ساعدي وجمعت كل شيء، عزائي لله، أكذب نفسي ب"عساها لن تتكرر". يومين وأجد الحكاية تكررت!

أطرح السؤال: "من الفاعل؟" فيتحد الجميع على إجابة واحدة: "الله أعلم"، إذن فالحي يقطنه أشباح غيرنا نحن الجيران، وهم من يسببون المشاكل كما يبدو..

قبل أسبوعين وجدت كومة نفايات كبيرة أمام صندوق النفايات العمومي، كومة بحجم عدة أمتار مكعبة الشيء الذي جعلها بمثابة مدينة الملاهي في أعين القطط، وبيت التزاوج في أعين الذباب! يا سلام ^_^
وبما أن شوارع الحي منحدرة، فهبوب نسمات هواء كفيلة ليحصل كل بيت على نصيبه من "بركة" النفايات..

مر اليوم واليومين والكومة تكبر تدريجيا، شاحنة جمع النفايات العمومية لم تجمعها وحجتهم: "مهمتنا إفراغ الصناديق العمومية فقط!". الحي صار بشعا متسخا، وأنا لا أقدر على جمع كل تلك الأزبال.

سألت الجيران واحدا واحدا أن من الفاعل؟ مجموعة أجابت: "نحن؟ مستحيل، لا لا"، بعضهم يستنكر الوضعية المتدهورة للشارع، وقلة قليلة من تأخذها العزة بالنفس وتعمل على تنظيف المكان (الأول تركي والثاني ألماني!).
كان لا بد من التدقيق في النفايات لاكتشاف الفاعل (نعم!)، نجحنا أنا وأحد الجيران الأتراك في معرفة المجرم، ويا للأسف فقد كان أحد الأغنياء العرب الذي جاء للإقامة بالحي مؤخرا!! (متوسط ثمن كراء البيوت في الحي: 3000 دولار شهريا).

هنا علامات استفهام كبيرة: تجد الشخص درس بالجامعات الكبيرة، حصل على وظيفة مرموقة، لديه سيارة وبيت وأبناء، لكنه لا يجد حرجا في رمي أزباله من سطح البيت لوسط الشارع مثلا (بدون حياء ولا خجل)، أو تجده يفرغ أزباله وبقايا الطعام قرب الصندوق العمومي! أي دماغ تحتويه جمجمة هؤلاء الناس؟

الطريف في الأمر، شكوت لأحدهم كومة الأزبال تلك فقال: وما المشكلة فيها؟ سيأتي المطر وينظف المكان! تبارك الله على الأفكار العبقرية، قد نافست أنشتاين في ذكائك يا رجل!
(هنا أفكر: كيف يفتح المرء نافذة غرفته فيشاهد كومة أزبال محاطة بسرب ذباب سمين، ثم يقول إن الأمر عادي؟)

كان الحل المؤقت أن أشعل النار في تلك الأزبال، وقد التهمت ألسنة اللهب كل شيء بما فيه نصف شجرة برتقال في الجوار..

أما الحل الدائم فهو اعتكافي في الجوار لألقن المجرم المقبل درسا في آداب النظافة!
ساعات فإذا بسيدة تأتي وتضع كيس نفايات بجوار السطل (علما أنه كان فارغا!)، وتغادر المكان، قد اكتشفت المجرم إذن!
توجهت مسرعا إليها وأجبرتها على رمي تلك الأكياس في داخل الصندوق وإلا فلن يمر اليوم بخير، وذلك ما كان..
غادرت وهي ناقمة علي، اعتقدت أنني سأخلي المكان، خاب ظنها :P
دقائق لتعود ومعها رفيقتان، وعدة أكياس من النفايات! حينها ارتفعت حرارة دمي فصعد إلى دماغي ووصلت مرحلة الغضب (فلم رعب هههه): عودوا من حيث أتيتم والله لن ترموا أي شيء هنا! اختلفنا في الحديث وهددت بالإتصال بالشرطة، ثم قالت لي إحداهن: أتدري من أبي؟ أبي كولونيل في الجيش! (كولونيل من المناصب الرفيعة في سلم الرتب). هنا بلغ بي الغضب أقصى حد واعتبرتها إهانة لي، فكان أن تواصلت مع الجيران ساعتها وشاركتهم الحدث، أنكر الجميع على ذلك البيت تجاوزاتهم فيما يخص النظام العام. اعتذارات وانتهت الحكاية.

ومن يومها والشارع كما كان سابقا، نظيف وجميل، أسراب الذباب اختفت والقطط صارت أنظف، أليس هذا أفضل؟

الخبر السعيد أيضا: انتقال الجار العربي لمكان آخر، وكذلك عائلة من تقول أبي كولونيل، الله على راحة ^_^

أرأيتم، حتى صندوق النفايات له حكايته الخاصة!
هل أسرد علكم حكاية أعمدة الإنارة العمومية؟ حسنا، مرة أخرى، كفاكم اليوم ^_^

* لم أذكر جنسية العربي الغني احتراما لمواطني تلك الدولة، وحتى لا يعمم الأمر. وتعمدت ذكر جنسية من يساعد على التنظيف تقديرا لجهودهم، ولعقولهم النظيفة. أما عائلة أبي كولونيل فتوضح أن من أبناء البلد من لا يهتم ولا يبالي، ومنهم من هو عكس ذلك تماما..







تعليقات فيسبوك:


هناك 16 تعليقًا:

  1. هي نفس القصة تقع بين المواطنين في كل أرجاء المغرب، ولاد عبد الواحد كلهم واحد :(. لكن المميز في سردك لهذه الأحداث، هو دخول عنصر الجنسيات.. وبالطبع العربية عموما هي في أدنى درك التخلف والإنحطاط.. مع الأسف

    ردحذف
  2. القمامة قضيتها قضية عند العرب.
    أعجبني ما فعلته ، وإن شاء الله شوارعكم تبقى دائماً نظيفة :)

    ردحذف
  3. ما شاء الله تسرد القصة وأنا أتخيلها في حيي ههه.
    إذا أنتم يرمون القمامة أمام الصندوق فسأحكي لك بلاوينا:حكومتنا حفضها الله لما رأت أن الناس في الحي يقومون بوضع القمامة في دلو وتركه أمام باب البيت منتضرا الشاحنة.
    وفت صندوقا كما تصف ليسع كل الزبالة (كرم الله وجوهكم)
    لكن الخيبة أطفال الحي المشردون (القصد بها عدم تربيتهم وترك الشارع ليربي)
    بحرق الصندوق طبعا مع إضافة وصف أفعال عائلة الكولونيل والرجل الغني لمعضم أفراد الحي.
    من يومها إلى اليوم عادت حليمة إلى دلائها القديمة :)

    ردحذف
  4. السلام عليكم أخي نحند هههه تذكرني بالحال في حينا
    و لكن هناك بعض الاختلافات الطفيفة ، كان لدينا سطل مثلكم بعض الجيران يرمون بداخله و لكن البعض الآخر :s المهم تأتي بقرة (خخخخـ يطلقون البقر ليتغذى من نفايات الناس !) ماذا تفعل هذه البقرة ؟ تقلب السطل ليصبح الشارع يا سلام مليئاً بالنفايات أكرمكم الله فتأكل ما لذ و طاب لها و تترك الباقي .. !
    لا أدري بأي عقل يفكر هؤلاء البشر الماشية ترعى من النفايات = اقتصاد = ربح !! معادلة من الدرجة العاشرة هههه
    *-------------*
    ذكرت أن مبلغ كراءئ منزل عندكم 3000$ للشهر أليس كثير ؟؟ ربما تقصد 300 ^^
    بالتوفيق أخي محمد :)

    ردحذف
  5. والله كل شيء يحتاج لمليون حكاية
    في حينا صناديق النفايات الكبيرة ، تملأ عن اخرها ولا تأتي السيارات لافراغها الا بعد مدة طويلة
    المشكل دوما في العقليات وليس في درجة العلم
    لا تطل الغياب يا محمد
    سلامي

    ردحذف
  6. يبدو لي سيكون مستقبلك مثل مستقبل أحمد الشقيري. إدرس الإعلام أخي محمد، ربما يصطلح الحال بسببك.

    ردحذف
  7. سعيد وسعد وسعد، يوم السعد هذا، شكرا شكرا ^_^

    --الأخ سعيد الأمين، أحيانا حينما تجد العربي فقيرا وجاهلا قد تجد له العذر إن ارتكب مخالفة، المشكلة حينما تجد العربي "المثقف" يفعلها بدون خجل.

    --الأخ عبد الرحمن إسحاق، صدقت، أظن أن الحال لا يختلف بيننا.

    --الأخ سعد، تدري؟ المغرب والجزائر متشابهان كثيرا ^_^ تقريبا نفس الشيء حصل في بعض الأحياء، الناس بأنفسهم تخلصوا من تلك الأسطل العمومية كونها تجمع النفايات والأوساخ عوض أن تساهم في التخلص منها.

    --الأخ سعد، أحاول تخيل نوعية الحليب التي تنتجه تلك الأبقار ×_×
    3000 دولار ثمن تقريبي، استعنت بمحول العملات قبل قليل فوجدت أن الثمن هو 3243 دولار (25000 درهم مغربي).

    --الأخت مغربية، حكاية عدم إفراغ الصناديق حكاية أخرى، تحصل هنا أيضا وفي أهم شوارع المدينة، إطمئني ^_^

    --الأخ عادل، أدرس الإعلام؟ أمم فكرة! لكن للأسف فهذا التخصص لا يدرس هنا بطنجة :(

    ردحذف
  8. هاهاها والله طرح مفيد

    من الواضح أن طولك أعطاك جرأة عظيمة

    وللأن يصعب تفسير لماذا ذلك العربي اللعين يكب الزبل بجانب الزبل ؟ وهو الزبل ؟

    تمنيت لو كنت معك نراقب تلك الزبالة ومن يضع الزبل بجانبها لنمسكه معاً ونضربه ضرباً مبرحاً

    أما لو كانت عجوزة فسوف نخيفها بقوة ! ربما نلقى عليها قطة !

    ردحذف
  9. ذكرتني في حيي القديم عندما كنا نعيش هادئين تجرء شخص غلى رمي ورقة تلتها اورقاق ثم مزبلة كبيرة لم يستطع احد تخليصنا منها الى بيعت البقعة وبنيت على تلك الارض منزل.
    وبعيدا عن الحي القديم جاء الحي الجديد الحالي...ليس الجيران من يرمون الازبال بل الحي الاخر ولاننا نسكن امام الشارع تتجمع جميع انواع الازبال سابقا كنا ننتظر الرياح ان تجرها لكن اكتشفنا انها تلاعبها فقط .. تحمل القليل وتأتي بالكثير .. نهضنا وشمرنا على ايدينا وجمعنا كل ما يدب في الارض وهكذا لا يمر اسبوع حتى نقوم بالعملية
    الان اصبح الحي نضيفا
    سلام

    ردحذف
  10. القمامة عندنا يلزمها انتفاضة بحد ذاتها !
    لكن يوجد حل، سيستقدمون عمالا صينيين يلتقطون الأكياس من الأرض إلى داخل الصندوق لأن "العرب" لديهم الكثير والكثير من المشاغل تارك الله عليهم !!

    ردحذف
  11. للأسف الأغلبية يحرص على نظافة بيته ولايبالي بما هو خارج البيت.

    جزاك الله كل خير على مافعلته.

    ردحذف
  12. كلنا في الهوى سوى أخي محمد

    ردحذف
  13. --الأخ جميل، ههه نلقي عليها قطة؟ كيف لم تخطر ببالي هذه الفكرة :P
    أخاف أن يكون معها غراب أو بومة، حينها سينقلب السحر على الساحر ^_^

    --الأخ هيبو راجل مزيان، الأهم هو أن يظل نظيفا دوما، وسيظل كذلك مع مجموعة جيران متفاهمين مثل حيكم، دمتم بود ^_^

    --الأخ سيف الدين، حسنا، هنا في طنجة لدينا شركة إسبانية لجمع الأزبال! وكذلك شركة أجنبية لتوزيع الماء والكهرباء، ومع صعود وزن الصين حاليا فلا يستبعد رؤيتهم يوما هنا، وكما قلت فالعرب مشاغلهم كثيرة تبارك الله!

    --الأخ صادق، صدقت، وننسى أن الخارج يدل على الداخل أيضا، فلا سبيل للداخل دون المرور بالخارج.

    --الأخ فؤاد، كلنا في الهوى سواء، "كلنا" تعود على الوطن العربي ككل كما يبدو!

    ردحذف
  14. السلام عليكم
    أخي العزيز محمد
    بداية احب أن أشكرك على شجاعتك...فقليل من الناس من يصمد أمام منصب كولونيل ، أما عن سلوكات العامة فحدث و لا حرج و لا فرق في ذالك بين الأحياء الشعبية او تلك المرموقة فلإنسان ونعان لا ثالث لهما إما متحضر أو دون ذالك
    بارك الله فيك

    ردحذف
  15. السلام عليكم ورحمة الله والبركة.
    حقيقة استمتعت كثيرا بتصرفك.
    اخدت افكر وافكر كيف اقوم بها انا هنا.مع العلم ان مدينتنا الصغيرة تحتاج فقط لمحد من المغرب مضروب في 4 او 5 وتصبح جنة.
    طبعا فكرت ان اكون اسماء من المغرب واحاول قدر الامكان.
    قمت بتصرف مشابه ولكن في المعهد الذي اردس فيه.طلبت من المديرة ان تجعل الطالبات يقمن بتنظيف الفصول بعد انتهاء الحصة. ونجحت الفكرة والأن معهدنا نظيف ولله الحمد.
    الحياة تحتاج مجهود أحد الاشخاص لديهم ضمير حي وصدقني كل شيء يتصلح.
    سلملم.

    ردحذف
  16. --الأخ يوسف، صدقت فعلا، الإنسان نوعان إما متحضر أو دون ذلك، لكن السيء أن تجد الفرد يملك كل مقومات الحضارة، لكن!

    --الأخت ملح الحياة، الحياة تحتاج مجهود عدة أشخاص لديهم ضمير حي، علي أكون منهم وإياك.
    شاكرا لكما اهتمامكما.

    ردحذف

مدونة محمد أعمروشا مدوّنة شخصية في قالب مغربي، عن السفر، الهوايات وتجارب الحياة. أنشر فيها آرائي فيما يخصّ المنطقة العربية، التقنية وأحيانا تفاصيل حياتي الشخصية :)