29 أكتوبر 2008

لا تصدقوا الإعلام!

عودة للحديث عن فيضان طنجة مجددا،
حكايات الفيضان لم تنتهي بعد هنا، و إليكم ما حدث لصديقة العائلة الخالة لطيفة:
كانت قادمة من العاصمة الرباط، عبر القطار، الأمور تسير على ما يرام لولا أن دخلوا منطقة الشمال، ضواحي أصيلة، هنا اكتشفوا أنهم وسط بحر الظلمات، لا فوق سكة الحديد، طمأنهم المسؤولون أن كل الأمور بخير، و لا داع للخوف، لكن اتصالات الأهالي تحذرهم من المجازفة و الاقتراب من طنجة: مركز الفيضان.
و حدث ما لم يكن منتظرا، اضطر القطار للتوقف الإجباري في محطة مغوغة (محطة القطار الأولى بطنجة)، و هنا نزل المسافرون و التجؤوا لبناية المحطة التي دشنت قبل أقل من سنتين..
استمرت الأمطار و الأمطار، فجأة اكتشف الجميع أنهم محاصرون داخل المحطة حيث أن كل الطرق المؤدية لها غمرتها المياه!

مع كل زفير و شهيق تقترب الأمواج من مبنى المحطة، إلى أن جاءت موجة كفيلة باختراق الأبواب الزجاجية فالولوج لداخل المحطة المكتظة، ضيف ثقيل جدا.
تدخل الموظفون الموجودون داخل المحطة و صعد الجميع نحو الطابق العلوي، و بين صياح هذا و عويل ذاك، بين صراخ الأطفال الصغار و نحيب الأمهات، ارتفع منسوب المياه مجددا و تسرب الماء داخل جميع القاعات السفلية، و ليته كان تسربا فقط، بل غطى الماء كل شيء ابتداء من المكاتب و محلات قطع التذاكر إلى المتاجر و المطعم الداخلي، إلى أن امتلء الطابق السفلي و بدأت المياه الشريرة تتطلع نحو الأدرج، حيث اكتظ الكثيرون كسمك السردين، رجالا و نساء..

و حدث شيء لم يفكر فيه الجميع: انقطاع الكهرباء!!
ثم بعده بقليل، غروب الشمس و تسلل الظلام المخيف، المفزع!!

هل تتصورون مشهد المسافرين المتعبين مكدسون في سلالم لا حول لهم و لا قوة؟ بل هل تتصورون سماع أصوات سقوط الخزانات و تراطم المكاتب في ظل ظلام دامس و ثياب مبللة بعيدا عن الجميع، في جزيرة وسط بحر هائج؟ و الأدهى، هل تتصورون بكاء الأطفال الصغار الخائفين و الرضع الجوعى و نحيب الأمهات المذعورات في مكان غريب مخيف؟؟

استمر الوضع هكذا الليل بأكمله، بل و بقي على حاله لما بعد الفجر بساعات، و ما زال الكل كما كان، لولا الدعاء و البكاء لانتقل الجميع لرحمة الله تعالى.

17 ساعة كلها و هم على هذا الوضع،
أين هي القوات المدنية؟
أين هو الإسعاف؟
أين هو الجيش؟
أين هي القوات المساعدة؟
أين هم الوزراء و المسؤولون؟
أين و أين،،
لا أحد.

انصرف كل واحد لبيته مدهوشا، بعد انحسار المياه. بالكاد صدقوا أنهم نجوا.

الآن، ربما تستغربون من عنوان الموضوع: "لا تصدقوا الإعلام"، فما علاقة الإعلام بما جرى؟
حسنا سأوضح،
بعد أن توقفت الأمطار و انحسرت المياه، ثم انصراف الجميع لبيوتهم. جائت السلطات و معها حوالي ثمانية قوارب إغاثة وضعوها في بحيرات المياه قرب المحطة (أو الجزيرة كما كانت وقت الكارثة)، و جائت الكاميرات تصور مشهد إنقاذ لا أساس له من الواقع، ثم نشر الشريط في التلفزة الرسمية لينبهر الجميع بمدى اهتمام السلطات بالمواطنين و يصفقوا لهم كثيرا، لقد قاموا بواجبهم!

لهذا قلت: لا تصدقوا الإعلام، تصور نفسك عشت الليلة بمآسيها بدون ظهور أي منقذ إلى أن أنقذت نفسك بنفسك، ثم يأتي من يدعي أنه أنقذك و يتفاخر بذلك، و الجميع يلوح له، و أنت تتأمل، فقط تصور.

ليتني كنت أملك كاميرا ذلك اليوم، لأصور لقطات مما حدث، كما فعل الكثير.
الكثيرون من أبناء المدينة لم يتأخروا في نشر لقطاتهم المصورة في الانترنت و على رأسها youtube، إليكم نموذجا لمنطقة لا تبعد إلا عشرات الأمتار عن الحي:



المسجد الظاهر في الصورة يبعد عن البيت حوالي 60 متر فقط، لحسن الحظ الحي يتواجد في تلة مرتفعة لا تظهر في الشريط، لذلك لم يتعرض لأذى.

و هذا موضوع موثق به مقاطع فيديو لطلبة يسبحون في المياه، سيارات غارقة، أناس يستنجدون و يطلبون من ينقذهم، للمدونة Vamprita الطنجاوية.
المدون محمد سعيد أحجيوج تحدث عن الفيضان أيضا، للأسف لا أعرف مدونات أخرى لأبناء مدينة طنجة.

اللهم أعنا على القادم، تشير التوقعات الجوية إلى اقتراب عاصفة أخرى من طنجة بعد يومين، الجميع يترقب ما سيحدث، و الكل يتمنى ألا تتكرر المأساة مرة أخرى.









تعليقات فيسبوك:


هناك 5 تعليقات:

  1. شئ مؤسف حقا ان نشاهد مثل هذه المناظر التى تعكس بجلاء مستوى من ينوب عنا في الدوائر الانتخابية والمؤسسات الحكومية - المسؤولين عنا بكل أسف -

    قبل ان نفكر في جلب عشرة مليون سائح علينا أولا الاهتمام بتأهيل مدننا واصلاح البنيات التحتية ولاننسى طبعا تأهيل اعلامنا ليكون في مستوى المهنة التي يمتهنها فعصر التكتيم والتزييف ولى مع تطور وسائل الاتصال وظهور قناة يوتيب ، القناة التي لها صحفيين في كل بقاع العالم .

    لنا الله.

    ردحذف
  2. منظر مخيف ورهيب وبشع، وكأنك تصف مشهد من احدى أفلام الأمريكية المرعبة.
    للأسف.. إذا لم ينقذكم الاعلام، فمن المنقذ؟
    وعلى كل هذا، أرجو ان لا اصدقك أنت!

    ردحذف
  3. --الأخ أزهار قلبي، عشرة مليون سائح نصفهم مغاربة مقيمون بالخارج أو من أصول مغربية، كثير من النصف الآخر يشهد بروعة البلاد، و لكن! هم أيضا يطرحون علامة استفهام كبيرة.

    --الأخ عادل، لو حكيت كل الحكاية لما صدقني أحد :) لذلك حذفت بعض التفاصيل المثيرة أمثال اضطرار أفراد عائلة الضحية لربط السيارة مع شجرة كبيرة، و بعدها بلحظات غمرت المياه السيارة و لم تعد تظهر، الحمد لله أن تواجد حبل كبير في السيارة ذلك اليوم، و إلا لأصبحت في خبر كان (أصلا هي الآن غير صالحة للإستعمال).

    ردحذف
  4. ما يقع في المغرب بلد الغرابة مؤسف جدا ففي مدينتي أحياء غمرها المياه و خسائر بشرية و مادية جسيمة، ضحايا غرقو في المياه و منازل أصبحت كالأشباح.و أنا ممن كان في الحدث، غياب تام للمسؤولين و المنتخبين و الهيئات المدنية.
    لككني بعد الحادث و على قنواتنا نشاهد العجب.
    و كأننا نعيش في بلد و ما يقال في شاشة التلفزيون عن بلد أخر.

    ردحذف
  5. --الأخ خالد، مدينتك وجدة أكبر دليل على ما تقول، تساقطت بها كمية وفيرة من الأمطار فتضررت المدينة، لكنني لم أعلم بالأمر إلا بعدما نشرت تلك الصور بمدونتك، لولاها لما عرفت ليومنا هذا.
    أما شاشة التلفزيون فربما كانت مشغولة بسهرة ما ذلك اليوم.

    ردحذف

مدونة محمد أعمروشا مدوّنة شخصية في قالب مغربي، عن السفر، الهوايات وتجارب الحياة. أنشر فيها آرائي فيما يخصّ المنطقة العربية، التقنية وأحيانا تفاصيل حياتي الشخصية :)